فدوى برية
هوية - حلب
بوجهٍ بشوش يملؤه الحب وتزينه ابتسامة دافئة، استقبلتنا الحاجة أم وسام في غرفة الضيافة مرحِّبة بقدومنا، ومؤكدة أنها كانت بانتظار موعد حضورنا.
وبهيبته ووقاره تقدّم الحاج جمال فضل فاعور (مواليد 1942، ابن قرية شعب ـ قضاء عكا) ظهر يوم السبت 30/8/2025، مستنداً إلى عكازه الخشبي، ليستقبل وفد "هوية" مرتدياً عباءة بيضاء، وقد كلّل الضياء ملامح وجهه، بينما دمعة تستقر في مآقي عينيه.
بدا حازماً متوازناً، تغلّف البسمة كلماته، لكن الألم كان يعتصر قلبه.
ومع تقديم فنجان القهوة، عاودت زوجته الحاجة أم وسام الترحيب بنا من جديد.
بعد التعريف بمنصة "هوية" ورسالتها، رحّب بنا الحاج جمال مجدداً، مؤكداً موافقته على بدء تسجيل المقابلة، فكانت تلك لحظة البداية.
استهل حديثه بالتعريف بنفسه، وسنة ميلاده، واسم بلدته الأصلية في فلسطين. ثم شرعنا بطرح الأسئلة، وكان يتوقف قليلاً عند كل سؤال، يتنهد ثم يجيب. لم تكن سنوات عمره وحدها التي انسلّت من بين يديه، بل حتى أبناء جلدته، الذين اقتلعوا فرحة أيامه وأيام أبنائه.
كان يتحدث وعيناه شاخصتان إلى البعيد، يستحضر كل لحظة مضت، ويتأمل جدول عمره الذي انقضى، وكيف مرّت أيامه بحسرة وألم كبيرين.
استذكر أيام فلسطين: أيام العز والكرم والحياة البسيطة الجميلة، وكيف استولى اليهود على أملاكهم وغيّروا مجرى حياتهم، تلك الأيام ما زالت حيّة في ذاكرته.
وما إن أنهينا اللقاء حتى دعتنا زوجته لتناول الغداء معهم، ومعه فنجان شاي وحلويات من إدلب وتركيا كانت ابنته قد أحضرتها لوالديها.
ولم تتوقف الضيافة عند هذا الحد، بل حمّلتنا ربطة خبز من إدلب وأصرّت أن نأخذها معنا.
العز والكرم والشهامة عناوين راسخة في بيت هذا الحاج الكريم وعائلته، أما كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال فلم يكن لها حدود.
وقف شامخاً كالسنديان مودعاً إيّانا حتى باب المنزل، مبتسماً، على أمل عودتنا بزيارة قريبة، وعودته هو إلى وطنه فلسطين، التي لا تزال حاضرة في قلبه وبين عينيه.